الجمعة، 25 نوفمبر 2011

الثوار حائرون ويخشون رحيل العسكرى .....كتب الشاعر فتحى



الثوار حائرون ويخشون رحيل العسكرى

خيمت أجواء 25يناير "طليعة الثورة" على ميدان التحرير، إزاء نسخة مكررة من اشتباكات دامية بين الثوار وقوات الداخلية، التي واصلت قصف المتظاهرين بالقنابل المسيلة للدموع، والرصاص المطاطي قرابة 14ساعة متواصلة من الشوارع الجانبية المحيطة بالميدان، ولم تفلح في فض التظاهرة السلمية التي انطلقت عقب، الاعتداء على مصابي الثورة وأسر الشهداء صباح أول أمس بـ"الحديقة المستديرة" للميدان، والإصرار غير المبرر على تفريقهم بالقوة.
شن المتظاهرون هجوما حادا على المجلس العسكري، باعتباره مسئولا عن الأحداث، غير أن مرحلة التقاط الأنفاس كشفت عن حالة التضارب الفكري التي سادت بين الثوار، وطرح بعضهم سؤالا لم يجد له إجابة واضحة، وجاء في "ماذا لو أن الاعتصام تطور فعلا، وتصاعدت الأحداث مثلما حدث في يناير، ورحل المجلس العسكري؟، وسيطرت الحيرة على قطاع عريض من الثوار، الذين أكدوا على خشيتهم من دخول القوى السياسية الحالية في صراع مقيت على السلطة، في مقدمتهم التيارات الإسلامية، قد يدفع إلى حرب أهلية مجهولة العواقب،..ليبقى الاعتصام مصحوبا بهتاف "يسقط حكم العسكر" شفهيا، بينما ترتجف القلوب من تحقق المطلب المعلن.
مرت الاشتباكات بين الجانبين بمراحل مختلفة، كان أولها عقب فض اعتصام أسر الشهداء ومصابي الثورة في العاشرة صباح أول أمس، وتفريقهم بالقوة، والسيطرة على الميدان، بعدها تداول موقع التواصل الاجتماعي نبأ الاعتداء، وتواتر النشطاء على الميدان ليدخل الاشتباك أولى مراحله التي انتهت قرابة الخامسة مساء أمس الأول، بسيطرة تامة لقوات الأمن، وإخلاء التحرير تماما، بعدها امتلأت الشوارع الجانبية بالمتظاهرين الذي تكتلوا بكثافة في شارع طلعت حرب، وبدأوا في تجميع أنفسهم مرة أخرى، للعودة إلى الميدان،غير أن ملاحقة جنود الأمن المركزي بـ"القنابل" المسيلة للدموع حالت دون رغبتهم.
وتأتي المرحلة الثانية، في انسحاب مفاجئ للشرطة، وفتح الميدان أمام الثوار، الذين تضاعفت أعدادهم، ودخلوا إلى بؤرة الثورة دون مضايقات أمنية، قرابة الثامنة مساء تجددت الاشتباكات مرة أخرى بين الجانبين، وتحول شارع القصر العيني إلى ساحة قتال، بين الثوار الذين شرعوا في الطرق على الأسوار الحديدية بالحجارة فيما يشبه"طبول الحرب"، وقوات الأمن المركزي التي مارست مهامها المفضلة في إطلاق قنابل الغاز الخانقة.،وعزز المتظاهرون الهجوم على قوات الداخلية بـ"الحجارة"، ثم "الشماريخ" عقب وصول مجموعات"ألتراس".
وانتقل التراشق في مرحلته الأخيرة، إلى تمركز قوات الداخلية في شارعي محمد محمود المجاور لمبنى الوزارة، والشارع الموازي له، المؤدي لـ"باب اللوق"، لتتحول سماء الميدان قبيل منتصف الليل إلى سحب رمادية كثيفة، جراء القصف المتتابع بالقنابل منتهية الصلاحية، أمريكية الصنع.
استمرار الاشتباكات لم يمنع الثوار من ممارسة بعض الطقوس الثورية، المتعارف عليها منذ بزوغ فجر الثورة، ويأتي أولها في تشكيل لجان شعبية لحماية الميدان على مداخله منزوعة "الاشتباكات" في مقدمتها مدخل"عبدالمنعم رياض"، تفاديا لـ"محاولات التعدي" على المتحف المصري، مرورا بـ"بوابة طلعت حرب"، وانتهاء بـ"بوابة قصر النيل"، طقس "الهتافات " تجاوز تقليديته المكررة في الفعاليات الثورية، على اختلاف أنواعها، استحدث الثوار حسبما أفاد بعض المنظرين للثورة-هتافا جديدا يحمل هجوما على المجلس العسكري تقول ألفاظه"قول متخافشي-المجلس لازم يمشي"، بينما اختفت تماما حلقات الأغاني الوطنية المعتادة، وحضرت زجاجات الخل، أحد ثوابت جمعة الغضب التي تجهض نسبيا مفعول الغازات السامة المسيلة للدموع..
حديقة التحرير المستديرة التي تتوسط الميدان، احتضنت لافتة واحدة، قد تصبح شعارا لـ"الاعتصام" الذي دخل يومه الأول أمس، وتحمل عبارة "الشعب يريد مجلس رئاسي مدني"، فيما اختفت اللافتات الحزبية والثورية تماما من الميدان .
حضر السلفيون إلى الميدان للمشاركة في المظاهرة، ومساندة الثوار قبيل منتصف الليل، ورددوا هتافات حصرية، وسط إعجاب الثوار جاءت في عبارات متناسقة كالتالي"واحد..عسكر مايحكمشي...اتنين..كلام الشعب يمشي..تلاتة..داخلية متبلطجشي..أربعة..الغاز ميتصدرشي"، أثناء الهتاف حضر د.حسام البخاري الناشط السلفي المعروف، وشدد على ضرورة مساندة المتظاهرين والبقاء بالميدان, ووضع حواجز حديدية على مداخل ميدان التحرير، تحسبا لأي هجوم على الميدان والمتظاهرين في الساعات الأولى من الصباح  .
ثلاث زيارات للميدان من شخصيات، أحدهما لـ"ممدوح حمزة" منسق المجلس الوطني، والأخرين لـ"مرشحي الرئاسة المحتملين"حازم صلاح أبواسماعيل، ود.محمد سليم العوا، قوبلوا بـ"استياء "من الثوار، الذين شككوا في نوايا الزائرين، واعتبروهم يصيدون في الماء العكر.
قال د.محمد سليم العوا للمتظاهرين فور وصوله لـ"الميدان" اليوم آخر أيام حكم المجلس العسكري، بعد صمته على التعدي على متظاهري التحرير، لافتا إلى أن اعتصام 19نوفمبر ثورة غضب ثانية، ومطالبا بإقالة منصور العيسوي وزير الداخلية، وفتح تحقيق عاجل في الأحداث"، فيما استقبل بعض المتظاهرين حديث العوا بعبارة "اطلع برة".
وعلى الصعيد ذاته، دعا حازم صلاح أبواسماعيل، الثوار إلى الصمود حتى الصباح، والاعتصام في الميدان حتى يتحقق لهم النصر، وأردف قائلا"لن يقدر أحد على هزيمة إرادة الله".
ونقل أبو اسماعيل لـ"الثوار"، عرض مطالبهم إبان لقائه المجلس العسكري، بناء على دعوة تلقاها من الأخير مساء أول أمس، لافتا إلى أن المجلس أجرى اتصالا بالقوى السياسية، والتيارات الإسلامية، لتهدئة الأجواء .
وعقب مغادرة المرشح المحتمل للرئاسة، ميدان التحرير، احتدم الخلاف بين مجموعات من المتظاهرين، وبعض السلفيين، وشن الثوار هجوما منظما على التيارات الإسلامية، باعتبار أنهم دائما "ضد الثورة" ويبحثون عن مصالحهم الخاصة فقط، فيما رد أحد السلفيين قائلا"دفعنا فاتورة الحرية في سجون النظام البائد، وتجاهلنا الإعلام، والعبرة الآن بالحوار "فرد الثوار "الجميع نال شرف الاعتقال".
أغرب ما في المشهد الدامي، هو إصرار عامل النظافة المسئول عن الميدان، على ممارسة عمله تحت وقع أصوات القنابل، والهتافات المدوية بالميدان، وداعبه أحد الثوار قائلا" ياعم روح نام"، وتبادل الجانبان الابتسامات الدافئة.
إلى ذلك فاجأ الشيخ مظهر شاهين المتظاهرين، عبر حديثه من داخل المسجد في "مكبر الصوت"، داعيا الثوار إلى الالتزام بسلمية التظاهر، ومحذرا وزارة الداخلية من إطلاق الرصاص الذي قد يتسبب في إشعال الحرائق في المناطق المحيطة بالميدان في مقدمتها "مجمع التحرير"، محملا الشرطة مسئولية الحرائق سواء كانت بقصد أو بغير قصد.
سيارات الإسعاف البالغ عددها 11، كانت متراصة أمام مسجد عمرمكرم، وغادرت الميدان قبيل الثالثة صباحا، غير أن أغلب المصابين، رفضوا الاستعانة بها لنقلهم إلى المستشفيات المجاورة، فيما عادت "مستشفى الثورة الميداني" إلى موضعها التي كانت عليه خلال أيام الغضب، واستقبلت حتى آذان الفجر 170 مصابا، يعاني معظمهم من "اختناق"، وإصابات بـ"طلق ناري".
كالعادة كان بائعو الشاي، قاسما مشتركا في الفعاليات الثورية، ولم يشغلهم، ما إذا كان التراشق سينتهي إلى إخلاء الميدان من عدمه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق